الحمد لله الذي خلق الإنسان هلوعا وجعله إما جزوعا منوعا وإما صبورا قنوعا والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين..
وبعد:-
يقول الله تعالى: { إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ }..
{إنَّ الإنْسانَ خُلِقَ هَلُوعا} وهذا الوصف للإِنسان من حيث وصف طبيعته أنه هلوع والهَلَع: شدّة الجَزَع مع شدّة الحرص والضجر والشح , وقيل: إنَّ الإنْسانَ خُلِقَ هَلُوعا أي بخيل مَنُوع للخير، جَزُوع إذا نزل به البلاء.
فتجده يجزع إن أصابه فقر أو مرض ، أو ذهاب محبوب له من مال أو أهل أو ولد ولا يستعمل في ذٰلك الصبر والرضا بما قدّر الله وقضى, فهو إن قلّ ماله وناله الفقر والعدم فهو جزوع لا صبر له , وأمّا إذا كثر ماله ونال الغنى فهو منوع لما في يده , بخيل به لا ينفقه في طاعة الله ولا يؤدِّ حقّ الله منه ولا يشكر الله على نِعَمِه وبره فيجزع في الضراء ويمنع في السراء..
وعن قول الله: {إلاَّ المُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ على صَلاتِهِمْ دائمُونَ} هم الذين يطيعون الله بأداء ما افترض عليهم من الصلاة ، وهم على أداء ذلك مقيمون لا يضيعون منها شيئا مداومون عليها في أوقاتها بشروطها ومكملاتها، فإن هؤلاء غير داخلين في عداد من خـُلق هلوعا لأنهم إذا مسهم الشر لا يجزعون ولا يقنطون بل يصبرون ويحتسبون , وإذا مسهم الخير لا يمنعون ولا يشحون ، بل يشكرون وينفقون..
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «خُذوا مِنَ العَمَلِ ما تُطِيقونَ، فإنَّ اللَّهَ لا يَمَلّ حتى تَمَلُّوا» قالت: وكان أحبُّ الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دُووِمَ عليه..
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شر ما في رجل: شح هالع وجبن خالع»..
اللهم لا تجعلنا ممن إذا مسه الضر فزع وجزع وانخلع قلبه وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير , اللهم لا تجعلنا ممن إذا حصلت له نعمة منك بخل ومنع..
هذا والله أعلم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد .....)