ما الحكمه من انزال المتشابهات في القران الكريم؟
الحكمة من المتشابه -كما ذكر
أهل العلم- هي الامتحان والاختبار والابتلاء، فكما أن الله تعالى يمتحن
بالخير والشر والسراء والضراء والأوامر والنواهي، يبتلي كذلك بالمحكم
والمتشابه، ويوضح هذا المعنى قول الله تعالى: هُوَ
الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ
أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء
الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ... {آل عمران: 7}.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية: آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ.
بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، ومنه آيات أخر فيها اشتباه
في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن ردّ ما اشتبه عليه إلى الواضح
منه وحكم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس.
ولهذا قال تعالى: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ
أي أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه، وأخر متشابهات تحتمل دلالتها موافقة
المحكم، وقد تحتمل شيئاً آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد،
فالواجب على المسلم تجاه المتشابه الإيمان به ورده إلى المحكم.
]في كتاب (مسائل الرازي واجوبتها )جواب عن هذا السؤال ،وهو يتعلق بقول الله تعالى في سورة آل عمران :{هو
الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ،فأما
الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله
وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند
ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب } .
وقد جاء في الجواب :لما كان كلام العرب ينقسم الى ما يفهم معناه سريعا
،ولا يحتمل غير ظاهره ،والى ماهو مجاز وكناية وإشارة وتلويح ،والمعاني فيه
متعارضة متزاحمة ،وهذا القسم هو المستحسن عندهم ،والمبتدع في كلامهم ،نزل
القرآن بالنوعين تحقيقا لمعنى الاعجاز ،كأنه قال :عارضوه بأي النوعين شئتم
فإنه جامع لهما ،وانزله الله عز وجل محكما ومتشابها ليختبر من يؤمن
بكله،ويرد علم ما تشابه منه الى الله فيثيبه ،ومن يرتاب فيه ويشك وهو
المنافق فيعاقبه ،كما ابتلى عباده بنهر طالوت وغيره .
أو اراد ان يشغل العلماء برد المتشابه الى المحكم ،بالنظر والاستدلال
والبحث والاجتهاد،فيثابون على هذه العبادة : ولو كان كله ظاهرا جليا
لاستوى فيه العلماء والجهال ،ولماتت الخواطر بعدم البحث والاستنباط .
فان نار الفكر انما تقدح بزناد المشكلات ،ولهذا قال بعض الحكماء :عيب
الغني انه يورث البلادة ويميت الخاطر ،وفضيلة الفقر انه يبعث على اعمال
الفكر واستنباط الحيل في الكسب